(الوعي المصري) و(نورا يونس) نموذجان مثاليان للمدونات الأكثر فاعلية ونشاطا، ينافسا مؤسسات إعلامية ومدنية كبرى
تعبر حالة حضور المدونات فى الفضاء الإليكترونى عن ظاهرة جديدة أثارت العلماء والباحثين في مجال علوم الإعلام لرصدها وتحليلها.
خاصة وقد استفادت المدونات مما أتاحته تطبيقات وسائل الإعلام الجديدة من توظيف وتداخل الوسائط الإعلامية من خلال تقديم نصوص مدعمة بلقطات فيديو تتضمن مشاهد لحدث ما أو حوارات وتحقيقات تليفزيونية، وكذلك ملفات صوتية وروابط لوسائل إعلام أخرى ومواقع متنوعة، إضافة إلى تعليقات الجمهور وما يقدمونه من مشاركات،وهو ما يثرى حالة تقديم وطرح القضايا والموضوعات المختلفة داخل المدونات لتكون وسيلة إعلامية جديدة أكثر فعالية وثراء.
وقد أدركت وسائل الإعلام الكبرى أهمية المدونات للجمهور فقامت بتأسيس مدونات متخصصة فى قضايا وموضوعات محددة وضمنتها على مواقعها الإليكترونية"، فصحف كبرى دولية مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست صنعت مدوناتها الخاصة وكذلك فعلت قنوات مثل (CNN) و(MSNBC) وغيرهما.
ويصف الباحثون في مجال الإعلام ظاهرة التدوين بأنها تمثل نمطا صحفيا جديدا من صحافة المواطنين من خلال تركيزها الواضح على قضايا سياسية واجتماعية تمس الممواطنين.
ويتأكد للباحثين والمتابعين لظاهرة كيفية استخدام وسائل الإعلام الجديدة فى التعبير السياسى والإجتماعى كثافة المنخرطين فى عملية إنشاء المدونات والإقبال على التفاعل معها.
وفى هذا الصدد يرصد تقرير مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء فى مصر، أنه وبعد العام 2001 اتسع إنتشار المدونات سنة بعد أخرى حتى أصبحت ملاذا لكثير من الشباب الذين يريدون التعبير عن ذواتهم ومعتقداتهم... ويؤكد التقرير أنها بدأت تشكل مجتمعا افتراضيا جديدا يؤثر بقوة على المجتمع الفعلى اجتماعيا وثقافيا وسياسيا... كما أن بعض شواهد الاحتجاج السياسى والمظاهرات خلال الفترة من 2006 الى 2008 ارتبطت بصورة أو بأخرى بما يجرى من احتجاج رقمى على الإنترنت وبما تشهده المدونات السياسية من عملية تعبئة مكثفة لجمهور كبير من الشباب
وقد مثلت سهولة إنشاء المدونات عبر فضاء الإنترنت، وكذلك عدم وجود تكلفة جوهرية فى مجال تأسيسها وإطلاقها ودعمها بالتطبيقات المختلفة، أتاح كل ذلك التوسع فى استخدامها وتطبيقها، وعبر هذا التوسع عن رغبة أفراد وقطاعات جماهيرية خاصة فى سن الشباب فى تقديم رؤى وتصورات ذاتية عن قضايا وموضوعات لم تكن متاحة من قبل عبر الأطر المؤسسية الإعلامية القائمة.
وانطلاقا من ذلك يمكن القول أن المدونات منحت الناشطين والفاعلين الجدد فى المجتمع فرصة لتوظيف خصائصها التقنية ومميزاتها ليقوموا بدور مهم كحراس على المصلحة العامة ومراقبين لأداء كل من السياسيين ووسائل الإعلام ذاتها "
وقد رصدت بعض الدراسات كثافة المرور عبر عدد من المدونات المصرية الأكثر اهتماما بالشأن العام، وخاصة الأكثر شعبية منها مما يجعل أرقام الدخول عليها فى بعض الأحيان تفوق بكثير مشاهدى بعض القنوات وتوزيع العديد من الصحف.
هذا ما جاء في مقدمة دراسة حديثة قام بها (د / هشام عطية عبد المقصود) الأستاذ المساعد بقسم الصحافة في (كلية الإعلام – جامعة القاهرة) بعنوان: "خصائص المجال العام لتقديم التعبيرات السياسية والاجتماعية عن قضايا وأحداث الشئون العامة فى وسائل الإعلام الجديدة: دراسة تحليلية لخطاب المدونات المصرية"
قامت الدراسة برصد خصائص المجال العام للتعبيرات السياسية والإجتماعية لخطاب المدونات،
وقد اختار الباحث مدونتي الوعى المصرى لوائل عباس، ومدونة نورا يونس للمدونة نورا يونس؛ لتعكسا معا خصائص المجال العام الذى يسعى الباحث لتحليله.
و فيما يتعلق بمدونة وائل عباس " الوعى المصرى " يرى الباحثون أنه " وخلال عام 2005 اتسع مجال المدونات المصرية ودخل وائل عباس عبر مدونته "الوعى المصرى " لتغطى الأنشطة والفعاليات السياسية التى اتسعت فى مصر فى تلك الفترة تزامنا مع مجريات سياسية كبيرة.
وفيما يخص مدونة نورا يونس يرى باحثون أنها " من المدونات التى تكتبها المرأة وتتنوع مابين الذاتى والسياسى... ومدونة نورا يونس أشهر مدونة مصرية لفتاة نشطة فى حركة كفايه الاحتجاجية.
وقد خلصت الدراسة الى عدد من النتائج أهمها: أن مدونتا الدراسة كانتا خارج حدود اليوميات والتعليقات الشخصية، وكانتا أكثر تعبيرا عن الشئون العامة، وقد ناقشتا بالفعل العديد من القضايا ذات الأولوية الجماهيرية، وتنويع للنقاش بشأنها، وتطوير الحوار حول عناصرها، وتلقى مشاركات متنوعة من الجمهور، وتضمين روابط ومواقع تزيد من تطوير النقاش وإثراء الحالة المعرفية، فضلا عن السعى لبلورة توجه عام بشأن هذه القضايا، ومحاولة الحث على القيام بإجراءات وسلوكيات فى بعض الحالات، ظهر ذلك فى قضية التحرش بالمرأة، وفى قضايا العنف البدنى الموجه للمتحجزين والمعتقلين فى بعض أقسام الشرطة، وظواهر استغلال النفوذ والبلطجة فى الشارع المصرى، وقضايا مطالب العمال المتظاهرين من أجل تحسين شروط العمل وأوضاعهم الإقتصادية، وكذلك المطالبات الخاصة بالتغيير السياسى، حيث كانت المدونتين فى كثير من هذه القضايا صاحبة السبق إما بطرح الموضوع أو تطوير وتقديم بعض جوانبه وفعالياته التى سكتت عنها وسائل الاعلام السائدة، أو بالمطالبة بالرقابة والمحاسبة، أو فى السعى نحو بلورة توجهات معينة.
وهكذا تنوعت أجندة القضايا المطروحة لتتضمن قضايا سياسية، وقضايا تتعلق بالحقوق المدنية للمواطنين، وقضايا خاصة بحرية الرأى والتعبير فى مختلف وسائل الأعلام سواء التقليدية أو عبر وسائل الإعلام الجديدة الخاصة بالمدونات والمنتديات وغيرها.
وامتد الإهتمام ليشمل قضايا خارجية غير منفصلة عن الإهتمامات الداخلية، تتعلق مثلا بكيف تؤثر إدارة مصر لعلاقاتها العربية على أوضاع العمالة المصرية بالخارج، ثم يمتد لمتابعة أحداث غزة بمختلف تداعياتها وإدارة نقاش حول الدور المصرى هناك وتقييمهه ورصد علاقته بمختلف القوى والفصائل الفلسطينية.
كما تضمنت الأجندة القضايا المطروحة في المدونتين، قضايا اقتصادية تطرح وتناقش بطالة الشباب وأحوال الفقراء فى مصر وكذلك الاحتكارات الإقتصادية وغيرها.
وامتد نطاق تغطية مدونتى الدراسة إلى ساحة القضايا الاجتماعية لتبادر بطرح ومناقشة قضية التحرش بالمرأة، وتساهم فى توثيق ممارساتها وعرضها على الرأى العام واثارة نقاش مجتمعى موسع عن التحرش وكيفية التصدى له منبهة إلى مخاطره ومحذرة من أثره على الصورة القومية وعلى شعور المواطنين بالأمان فى الشارع المصرى، وهو ماساهم فى إثارة وعى مجتمعى به وجذب اهتمام وسائل الإعلام والهيئات المختلفة لمتابعة الحدث، كما عرضت وناقشت قضية التطرف الدينى والإرهاب لتقدم إدانة للظاهرتين.
وتضمنت المدونتان اهتمامات أخرى متنوعة تتابع حركة التدوين فى الداخل والخارج، ولايخلو الأمر من أطروحات فنية وأدبية محدودة الحضور.
كل هذه التعبيرات مثلت حالة اهتمام موسع بالشان العام عبر المدونتين وعبر مشاركات القراء، وهكذا عملت المدونتان كمجال عام فعلى يعنى بالمتابعة والطرح وادارة للنقاش وتيسير التفاعلية، ثم السعى نحو بلورة أراء إزاء قضايا الشئون العامة المختلفة
وكان من نتائج دراسة د. هشام عطية لخطاب المدونتين، أن تمكنت المدونتان من جذب جمهور متسع، بحيث شهدت فى بعض القضايا معدل مرور يومى بلغ عشرات الآلاف وهو ما يعبر بحق عن اتساع مساحة الدور الذى تضطلع به المدونات فى الواقع، وتخطيها لدور بعض وسائل الإعلام القائمة من حيث حجم ومدى فعالية تواصلها مع الجمهور نتيجة سهولة الإتاحة وجرأة الطرح ومساحة التفاعلية الممنوحة، وهو أمر ازداد بروزا فى حالة تناول قضايا وشئون عامة جدلية ومثيرة وناقدة قدمتها المدونتان.
كما قد عبرت المدونتان عن خصوصيات قضايا المجتمع المصرى وأفسحت المجال لجيل شاب له وجهة نظر تجاه الأحداث، ويملك وعيا وجرأة، ويسعى لتقديم أداء يعبر عن نمط إعلامى جديد يقاطع ويعترض ويستكمل فى أحيان أخرى ما لا تقوم به وسائل الإعلام السائدة.
وتميز أداء المدونتين بسرعة تغطية الأحداث ومنافسة مؤسسات اعلامية كبيرة فى إمكانياتها عبر سرعة الرصد وتنوع وفرادة تقديم وقائع لاتنشرها ولا تبثها وسائل الإعلام السائدة، كما حدث فى مجال تغطية أحداث إضراب المحلة الكبرى وما ارتبط بها وتلاها من أحداث، وفيما يخص كذلك مختلف المظاهرات والإضرابات التى شهدتها فترة الدراسة، وحتى حصار غزه وما تزامن معه من اختراق منتسبى حركة حماس للسور الحدودى مع مصر، وكذلك حريقى مجلس الشورى والمسرح القومى.
لعبت المدونتان دورا بديلا وأحيانا ومكملا لأنشطة الفعاليات المدنية المختلفة، مستفيدة من الحرية النسبية المتسعه للحركة فى الفضاء التدوينى، مما أتاح لها مساحات تعبير سياسى واجتماعى كبيرة جذبت جمهورا متنوعا.
وأخيرا أكد تحليل خطاب مدونتى (الوعي المصري ونورا يونس) أنهما شكلتا مجالا عاما لاتقف حدوده عند تناول وطرح ومناقشة الشئون الداخلية، بل امتدت إلى تناول ومعالجة قضايا الشئون الخارجية، إرتباطا باهتمامات الرأى العام المصرى، ولعل رصد نوع القضايا الخارجية التى اعتنت المدونتان بالتفاعل معها واعتنى جمهور المدونات بالحوار حولها يعبر عن كونها قضايا كانت دوما موضع اهتمام كبير وتفاعل مستمر من قبل الجمهور المصري، كما أن البعض الآخر يمثل تجليات لقضايا الداخل، كأحداث وتداعيات القضية الفلسطينية، وتناول قضية أوضاع العمالة المصرية فى الخارج... وغيرها.
وقد صرح د. هشام عطية أن هذه الدراسة الهامة سوف تصدر خلال الشهر الجاري في كتاب، مصحوبة بدراسة آخرى بعنوان "التوظيف السياسى لقضايا حقوق الانسان فى الصحافة المصرية".
No comments:
Post a Comment