Monday, December 14, 2009

سالمة يا سلامة... والحاج جاي بالسلامة


الحج في التراث الشعبي المصري يمثل ذروة الاكتمال الديني للإنسان، فعقب العودة من الأراضي الحجازية يحصل الفرد على لقب (حاج) أو (حاجة)، وهو لقب بالغ القيمة دينيا واجتماعيا في المجتمع الشعبي، ومن ثم يصبح صاحبة من أرباب الخبرة والمشورة، فيؤخذ برأية في كل كبيرة وصغيرة، وكأنه لم يعد ينطق عن الهوى.
ويقوم الناس باحتفاليات خاصة بالحاج منذ الشروع في أداء فريضة الحج وحتى العودة.
ويقول محمد رجب النجار في كتابه (فلكلور الحج): احتفالية الحاج على تتم مرحلتين، الأولى بمناسبة سفر الحاج لأداء الفريضة ذهابا وأيابا، والثانية احتفالية العودة أو الاستقبال، وفي الحالتين تشمل الاحتفالية على:
1- المراسم الاجتماعية، وهي تقام عند وداع الحاج إلى الأراضي الحجازية وعند عودته وتسمى بـ (زفة الحاج)، وقد يظهر فيها الخيل وما يصاحبها من رقص التحطيب على نحو يماثل زفة العريس.
2- إقامة الاحتفالات الدينية وحلقات الذكر في بيت الحاج بمناسبة ذهابه وإيابه، ويحيها المنشدون والمداحون وبعض الدراويش وأرباب الطرق الصوفية، وفيها يتغنون بالمدائح النبوية والأشعار الدينية ، وهذه الاحتفالات خاصة بالرجال.
3- إقامة الاحتفالات النسائية من عائلة الحاج والجيران والصديقات قبيل السفر وقبيل العودة، وكن يغنين فيها أغاني شعبية خاصة بهذه المناسبة وتعرف بأغاني الحجيج وكانت تعرف باسم (حنون الحاج).
4- إعداد (زوادة) خاصة بالحاج يحملها معه عند السفر، تملأ بالأطعمة والثمار والمخبوزات الجافة، وكان لإعدادها احتفال نسائي خاص.
5- في احتفالية العودة يقوم الحاج بتوزيع الهدايا على سبيل البركة التي أحضرها معه من مكة والمدينة على أهل بيته وجيرانه وأصدقائه مثل (ماء زمزم، والتمر، السبح، البخور، الكحل، اللبان، الشيلان، المساويك وغيرها...)
6- وفي احتفالية العودة يقوم الحاج بإعداد وليمتين، الأولى تسمى (وليمة النزلة) بعد العودة مباشرة، والثانية تسمى (وليمة السبوع) بعد مرور أسبوع من العودة.

وكانت الأقطار الإسلامية تحرص على إرسال (محمل) مع قوافل الحجاج سنويا، ولما كان هذا المحمل رمزا دينيا ووطنيا وأمنيا فقد كانت الحكومات والشعوب تقيم بهذه المناسبة احتفالا شعبيا عظيما يعرف باسم (موكب الحجيج) وكان الاحتفال بالمحمل المصري يقوم على مرحلتين متتابعتين:
الأولى: تسمى (طلعة المحمل) بصحبة قوافل الحجيج ، متوجهة إلى الديار المقدسة.
الثانية وتسمى (نزلة المحمل) عائدة مع قوافل الحجيج إلى أرض الوطن.
إلى جانب احتفالية فرعية بمناسبة وصول الحاج إلى جدة أو المدينة، حيث كان يشارك أهل هذه المدن في استقباله، وكان أطفالهم يستقبلونه أيضا بالأهازيج الشعبية.
وكان هناك احتفالية شعبية رسمية آخرى كانت تقام بمناسبة توديع (كسوة الكعبة المشرفة) التي كانت تبعث بها مصر حتى وقت قريب إلى مكة المكرمة.
واتضح من دراسة (سميرة فهمي علي عمر) عن إمارة الحج، مدى اهتمام مصر وخاصة في ظل الدولة العثمانية بقافلة الحج، وذلك بتقديم كل العون للحجاج في طريق الذهاب والإياب، وبتوفير الحماية العسكرية لهم وخاصة من اعتداءات البدو، وذلك للمحافظة على سمعة السلطان العثماني كحامي للحرمين الشريفين، واتضح كذلك عناية أمراء الحج واهتمامهم بشؤن الحجاج، والعمل على راحتهم، واقامة المنشآت والمباني، وحفر الأبار وتمهيد الطرق للتخفيف من مشاق رحلة الحج.
بالإضافة إلى اهتمامهم بالعطايا والصرر النقدية والعينية المرسلة سنويا إلى الحجاز، والتي كانت تنفق على أهالي الحرمين الشريفين، وعلى التكايا والكتاتيب وغير ذلك؛ وذلك لضمان ولاء أشراف مكة للسلطان العثماني.
وقد اهتم المصريين باحياء الاحتفالات بأغاني تخص (الحج)، فظهرت عدد من الأغراض مثل (وصف الرواحل) وهي الجمال أو السفن التي كانت تركب في رحلة الحج من مصر إلى مكة:
يابو الخف زينة يا جمل ، يا جمل يابو الخف زينة
رايح فين يا جمل؟ دا أنا رايح أودي الحبيب يزور نبينا
وأغاني (الدعوات بإذن لزيارة النبي) حيث كان يسود الاعتقال أن الحاج او الحاجة الشارع في الذهاب إلى الحج يكون النبي قد دعاه لزيارته، فكان يقل مثلا:
يا فاطمة يابنت نبينا
افتحي البوابة يا فاطمة ابوكي داعينا
وكان هناك أيضا أغاني للترغيب في الحج طمعا في الهداية وأملا في نيل الشفاعة:
متجوم يا عاصي وبلاش معاصي
دا القبر ضيج والحساب جاسي
وأغاني بغرض إشهار نية الحج أو الاستعداد النفسي للمرأة قبل السفر:
حاجة يا حاجة ما تمدي يداك
إوعي تخافي يا حاجة دا النبي دعاك
وعدد من الإغاني الاخرى بغرض الاستعداد المادي للحج، ووداع الحاج، ومدح الرسول، ووصف جبل عرفات، ووصف حمام الحمى.... وغيرها من الأغراض المتعلقة بالحج.

ومن أشهر الأغاني التي كانت تروى للحاج (سالمة يا سلامة) وكانت تغنى أثناء ذهاب الأهل لاستقبال الحاج ، ومرة أثناء عودة الحاج إلى القرية ، وهذا ما يفسر لنا تباين أزمنة الفعل في الأغنية من مضارع أو ماضي:
فمثلا كانت تروى:
سالمة يا سلامة
والحاج جاي بالسلامة
أو تروى على هذا النحو:
سالمة يا سلامة
والحاج رجع لنا بالسلامة
وبعد التهنئة بسلامة الوصول أو بالأحرى بعد الإعلان عن وصول الحاج بالسلامة تشرع الأغنية في تقديم التهاني والتبركات على النحو التالي:
المغني:
ألفين مبروك يا حاجنا
زرت التهامة وجت لنا
المرددون:
مبروك مبروك يا حاجنا
المغنى:
ألفين مبروك يا حاج البيت
زرت الكعبة وهناك صليت
المرددون:
مبروك مبروك يا حاجنا
المغني:
ألفين مبروك يا حاج البيت
زرت الكعبة وجيت نورت البيت
المرددون:
مبروك يا حاجنا
..... الخ
ويختم الجميع عند دخول الحاج إلى بيته:
سالمة يا سلامة ، والحاج رجع بالسلامة
سالمة يا سلامة ، والحاج جانا بالسلامة
سالمة يا سلامة ، والحاج عاد لنا بالسلامة
سالمة يا سلامة ، سالمة يا سلامة




No comments: