Monday, December 06, 2010

ماذا حدث للمصريين؟ سؤال على كل لسان





ماذا حدث للمصريين؟ لا يتوقف الناس عن طلب الإجابة علي ذلك السؤال كلما رأوا د. جلال أمين في أي لقاء أو ندوة أو مؤتمر.

قال الدكتور جلال أمين في لقاء مفتوح مع الشباب الأسبوع الماضي في مكتبة بدرخان بالهرم، "إن سر نجاح كتاب ماذا حدث للمصريين؟ هو اسمه، وخاصة أن هذا السؤال صار على كل لسان مصري، والجميع يتوق لمعرفة الإجابة، والفكرة الأساسية التي دفعتني لتأليف هذا الكتاب هو الحراك الاجتماعي الملحوظ خلال الخمسين سنة الأخيرة من عمر المصريين، والحراك الاجتماعي خلال تلك الفترة أسرع بكثير من الذي حدث للمصريين خلال تاريخهم كله، (فاللى فوق نزلوا تحت، واللي تحت طلعوا فوق، كانهم في عمارة واحدة والجميع تقابلوا على السلم فحدث نوع من الاشتباك والاختلاف والعبث)، الهجرة إلى الخليج أصبحت هدفا مهما في حياة طلبة الجامعة، صار للمرأة دورا أكبر بكثير من ذي قبل في الحياة الإجتماعية وأصبح لها تأثيرا واضحا في مختلف نواحي الحياة، وزادت حركة المعارضة المصرية لكنها زيادة ظاهرية دون أن تحدث أثرا... وكثيرا من التغيرات التي طرأت على المصريين لا يمكن حصرها في ساعتين".

ناقش د. جلال أمين في كتابه (ماذا حدث للمصريين؟) تطور المجتمع المصري خلال نصف قرن من 1945 إلى 1995، وهو حصيلة مقالات كتبها د. جلال أمين في أوقات وأماكن نشر متفرقة، ثم جمعها في كتاب واحد.

من أهم ما تطرق له جلال أمين في كتابه الهام الذي نال شعبية كبرى، هو التحولات في مجال الفن والموسيقى، من خلال العلاقة بين التحولات السياسية والاجتماعية وأغاني عبد الحليم حافظ، فظهور عبد الحليم حافظ كان وثيق الصلة بظروف سياسية واقتصادية، فقد كان لثورة يوليو 1952 الفضل في تحطيم السد الذي كان يحجز خلفه الطبقات الشعبية المحرومة من زمن طويل من التعبير عن نفسها (عن طريق الإصلاح الزراعي، مجانية التعليم، إعادة توزيع الثورة والدخل، وتسارع معدلات العمالة في الصناعة والأعمال الإنشائية...إلخ).

ظهر عبد الحليم في ذلك الوقت، وهو نفسه كان نموذج للأفراج عن الجمهور المحرومين، شاب قروي بسيط وضعيف البنية بحكم ما بجسده من أمراض مزمنة نتيجة البيئة الفقيرة، تيسرت له فرصة الدراسة في معهد الموسيقى العربية، ومن ثم لم يعد أصله وفقره مانعين من أن يصعد إلى ميكروفون الإذاعة، مادام صاحب موهبة وذكاء.

إلى جانب عبد الحليم كان لابد أن ينهض شعراء مثل صلاح جاهين ومرسي جميل عزيز، وملحنين مثل كمال الطويل والموجي وبليغ حمدي.

كان عبد الحليم موهوبا بالطبع لكنه أيضا كان محظوظا إذ صادف نضج موهبته هذا التحول الاجتماعي الباهر، وكان كذلك أحمد بهاء الدين وصلاح حافظ في الصحافة، ويوسف إدريس في القصة وعبد الصبور وحجازي في الشعر، وسناء جميل وسميحة أيوب في المسرح.... وغيرهم في كافة المجالات.

أما في الفترة التالية وبعد هزيمة 1967 ظهر على السطح رجالا ونساءا من نوع جديد تربعوا على عرش الثقافة في مصر، وكبسوا على أنفاس المثقفين المصريين بما لا يدع للموهبين الحقيقيين فرصة للانتشار والنجاح إلا بشق الأنفس، وأدى ذلك إلى ذهاب معظم الفرص إلى أشخاص خاليين من أيه موهبة وإلى نشر الإحباطبين الباقين.

كما يعقد جلال أمين بين انحدار فترة الأربعينات من القرن الماضي وبين الفترة الغنائية التي نحياها الآن:
كان عبد الوهاب يغني أغنية سقيمة ذات مقدمة موسيقية مصطنعة وكلام فارغ وكاذب تماما هي أغنية (الفن) التي كان يقول فيها (الفن مين يفهمه إلا اللي عاش في سماه، والفن مين يعرفه غير الفاروق ورعاه!)، وكان هناك فريق آخر يغني للطبقات المحرومة لكنها أغاني حزينة ذات كلمات ذليلة وبائسة ، مثل اغاني عبد المطلب وعبد الغني السيد.

وكانت أم كلثوم تغني أغاني أفضل بكثير، لكنها كانت تقول كلاما لا يفهمه إلا علية القوم من نوع (ريم على القاع بين البان والعلم) أو كلاما ذليلا حزينا من نوع (حتى الجفا محروم منه).
إلى جانب هؤلاء شاعت في الأربعينات أغان منخفضة المستوى لكنها شائعة بين الناس مثل منلوجات حسين المليجي وشكوكو.

ونحن نعيش الآن مرحلة لها شبة من حيث الموسيقى والغناء بمرحلة الأربعينات، إن الطابع مختلف بين المرحلتين لكن الهبوط واحد، وأسباب الهبوط مشتركة وهو وجود حاجز منيع بين الطبقات العليا والطبقات الدنيا، يجعل الأولى تنصرف إلى الأغاني الأجنبية أو الشبيههة بها لا برلغت شرقا ولا غربا، ويجعل الثانية تنصرف إلى التمسك بالقديم وتكراره، ووجه الشبة بين الأربعينات والوقت الراهين مدهشة، فالإرهاب والتطرف موجودين، وكذلك الشعور بالإحباط وقلة الحيلة.

وقد فرق جلال أمين بين 3 أجيال من المتعلمين في مصر من حيث انتمائهم الطبقي وموقفهم من التراث وموقفهم من الغرب ومن ثم موقفهم من اللغة العربية:
أولا: جيل الثلاثينات والأربعينات، كان ينتسب لطبقة اجتماعية مستقرة نسبيا، كانوا قريبي العهد بالطبقات الدنيا في نفس الوقت لم يكونوا متطلعين إلى الصعود الاجتماعي. انعكس ذلك على موقفهم من التراث ولغتهم القومية وهو الاحترام فلم يكن لديها سبب للنفور منه او التنكر له، وكان موقفهم من الغرب يتسم بقدر عال من الثقة بالنفس، صحيح كان هناك انبهار بالغرب لكنه لم يصل إلى درجة الانبهار النفسي والتسليم للغرب بالتفوق المطلق، وأظن أن ذلك كان سبب تمتع اللغة العربية بالقوة في ذلك الوقت.

ثانيا: جيل الجمسينات والستينات: كان فترة ما بعد ثورة 1952 ، حدث تغيرات اقتصادية واجتماعية كثيرة ، أصبحت طبقة المتعلمين أقل استقرارا من قبل فضلا عن ظهور التطلع إلى الصعود الاجتماعي نتيجة الفراغ الذي أحدثته الثورة في الدرجات العليا من السلم الاجتماعي، وكان موقف هذه الطبقة من التراث أقل احتراما وكذلك موقفها من اللغة العربية، وكانت أكثر انبهارا بالغررب
ثالثا: جيل السبعينات والثمانينات: وقد زاد موقف المتعلمين أو المثقفين سوءا في هذه الفترة نتيجة ما حدث من معدل غير مسبوق للحراك الاجتماعي احدثته سنوات الثورة السابقة واستمرار التوسع في التعليم ، في هذا الجيل زاد الانبهار بالغرب وكان من الطبيعي أيضا أن يلقى بقواعد اللغة عرض الحائط ويتفاخر باقتحام الكلمات الأجنبية في كلامه وكتاباته، فهو جيل لديه ثأر حقيقي مع التراث ومع الماضي بصفة عامة، في نفس الفترة شهدنا نمو قوة أخرى منادية بالتمسك بالتراث.

كما تطرق د. جلال أمين في كتابه الهام إلى تطور حال السينما المصرية منذ بداية ظهورها وحتى الآن، وكذلك تناول الحراك الاجتماعي الحادث والتعصب الدينيي، بل والتفسير اللا عقلاني للدين والتغريب ومركز المرأة والوضع الاقتصادي المصري، وغيرها من القضايا المهمة التي تشغل بال المصريين عامة ومثقفين.

1 comment:

مصطفى عبدربــه said...

جلال أمين من أهم المفكرين في مصر
وكنت التقيته في معرض الكتاب من سنتين في توقيع كتاب ماذا حدث للمصريين في دار الشروق
وهو رجل قلما يجود الزمان بمثله

وعرضك رائع ومنظم
وان كنت أتمنى أن تعرضي للكتاب نفسه بشكل أوسع ومفصل قليلا
لان الكتاب مهم جدا

تحياتي