Monday, June 27, 2016

· "ميونخ" المركز العالمي لاستغلال الإسلام سياسيا

·      "ميونخ" المركز العالمي لاستغلال الإسلام سياسيا
سواء من قبل النازيين أو الاستخبارات الأمريكية أو الإسلاميين أنفسهم.


المساجد الأكثر شهرة في العالم هم (المسجد الحرام) بمكة، ثم (المسجد النبوي) في المدينة المنورة، ثم (المسجد الأقصى وقبة الصخرة) في فلسطين المحتلة، و(الجامع الأزرق) في اسطنبول تركيا وهو جامع السلطان أحمد،  ثم المركز الإسلامي في (ميونخ).
عرفت عنهم جميعا، ماعدا المركز الإسلامي في ميونخ (ألمانيا) رغم تردد هذا الاسم كثيرا في الآونة الأخيرة، هذا ما لفت انتباهي لعنوان الكتاب "مسجد في ميونخ"، "النازيون... وكالة الاستخبارات المركزية... وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب"، تأليف "إين جونسون" وهو أحد أهم صحافيي التحقيقات الاستقصائية في العالم. وترجمه: "أحمد جمال أبو الليل".
بدأ "إين" بحثه متسائلا عن سبب شهرة مسجد ميونخ رغم أن مدينة ميونخ ليست هي مركزا للإسلام، وليس المسجد هو الأكبر في ألمانيا، ناهيك عن أوربا بأسرها.
وجاء الواقع منافيا لتوقعات "جونسون" فلم يكن لمؤسسي المسجد ما يربطهم بالمهاجرين إلا لماما، وخلص البحث إلى أن المسجد انشيء بأهداف بعينها لثلاث مجموعات:
 طائفة تضم مفكرين نازيين عمدوا إلى استخدام الإسلام سلاحا سياسيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وطائفة كانت من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، عمدوا إلى استخدام الإسلام لمحاربة الشيوعية وكسر شوكتها.
وطائفة ثالثة، كانت الإسلاميين الراديكاليين رأوا في المسجد موطىء قدم لهم في الغرب.
أي أن المسجد لم يكن الهدف منه مطلقا انشاء دار عبادة بقدر ما كان إرساء قاعدة لأنشطة سياسية قد لا تخلو من عنف ممنهج.
فخلال سبعينيات القرن العشرين عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعبئة المسلمين لمواجهة السوفييت في افغانستان، الأمر الذي أدى إلى نشأة تنظيم القاعدة.
أي أنه تم توظيف الإسلام في الحروب وفي ألمانيا سيق المسلمون نحو حرب سيكولوجية، حرب مذاهب وأفكار وهنا نشأ ما يطلق عليه ( الإسلاموية) وما أدراك ما هي؟ أنها ليست العقيدة الإسلامية كما نؤمن بها، بل هي نظام فكري شديد العنف بالغ التسيس.
أنه الإرهاب والعنف التي اكتوت به الولايات المتحدة نفسها خلال هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
أما التنظيم الإسلاموي الأبرز والأشهر فهو ( جماعة الإخوان المسلمين)، هذا بحسب ما جاء في كتاب اين، تلك الجماعة التي جعلت مسجد ميونخ لخدمة أهدافها، وهو المركز الذي انطلقت منه أنشطة الجماعة في المجتمعات الغربية.
في بداية الخمسينات من القرن العشرين، كانت ميونخ مدينة قد طالها يد الدمار جراء الحرب العالمية الثانية ، كانت الخسائر فادحة إذ قتل ما يقرب من الستة آلاف وجرح نحو 15 ألفا.
رغم صغر مدينة ميونخ إلا أنها تعافت قبل غيرها من المدن الألمانية، كما أن موقعها في قلب القارة الأوربية جعلها تبدو العاصمة الغير رسمية للبلاد، فقد نزح مئات الآلاف صوب المدينة في أعقاب الحرب، ولقد ضمت ميونخ أعدادا كبيرة من الجماعات التي ظلت على الدوام تتشكل وتندمج وتتعادي.
بهذا قد تضافرت جميع العوامل لجعل ميونخ المقر المثالي "لراديو الحرية": الذي انشئ عام 1951 على يد عدد من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية الذين اهتموا بمواجهة المشكلة الكبرى انذاك وهي (الشيوعية).
وقد اتخذت الولايات المتحدة حيال الشيوعية سياسة (الاحتواء)، وهي سياسة قد صممت خصيصا للحيلولة دون انتشار الشيوعية عن طريق عزلها.
إلا أن  كثيرا من الأمريكين نظر إلى سياسة الاحتواء على إنها مضادة للمثالية الأمريكية إذا فلابد من القضاء على الشيوعية بأكملها.
وكان موسم الحج لعام ( 1373، 1954) مختلفا بعض الشيء، إذ عمد مسلمان ترعاهما وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى جعل بقاع الحج بمكة مساحة للحرب الباردة، كان هذان المسلمان (روسي نصارـ وحامد راشد)، هدفهما الحجيج السوفييت، حيث شرعا بالحديث إلى الحجيج السوفييت ومحاولة زرع بذور الشك حول موطنهم الأم، وقاموا بتجنيد بعض المسليمن هناك لمساعدتهما فقاما بتثبيت ملصقات معادية للسوفييت على الجدران ، وافتعلت مناوشات لفظية ومناقشات حامية اثناء اداء مناسك الحج.
من جانب آخر كانت ألمانيا تأوي آلاف من اللاجئين، وإن كثيرا منهم قد تم تجنيدة من قبل كيانات استخباراتيه اجنبية، إلا أن هذا النهج لا يمكن أن يستمر لأن ألمانيا بحاجة إلى اولئك المسلمين حيث ستهوى معاقل الشيوعية ليعود هؤلاء إلى أوطانهم زعماء وقادة وسيكون لهم الدور في تحقيق الهدف الأسمى للسياسة الخارجية الألمانية، وهي توحيد الالمانيتين الشرقية والغربية.
ومن ناحية، فقد أراد مسلمو ألمانيا وبخاصة ميونخ انشاء مسجد، فرفعوا مذكرة لأحد المسؤلين عام 1957، إن وجود مسجد يتيح للمسلمين أداء صلواتهم به، سيكون له الأثر الإيجابي على البلدان الإسلامية وكذلك على مسلمي المانيا وما لذلك من عواقب محمودة بشأن علاقات ألمانيا بالبلدان الإسلامية، وبحلول عام 1958 كانت الاستعدادات والترتيبات قد بدأت لإنشاء المسجد.
في القرن التاسع عشر، شرع العالم الإسلامي يدخل في صراع حول الأفكار الجديدة الآتية من الغرب، ففي بواكير القرن عمد بعض المثقفين أمثال رفاعة الطهطاوي إلى الاشتباك مع الأفكار الغربية عن طريق تعريب الكتب والحض على إرساء وعي قومي وتثبيبت أركان ذلك الوعي، وهو ما مهد السبيل أمام هذا الزخم السياسي والديني الأكثر انفتاحا لرموز من أمثال الإمام جمال الدين الافغاني والإمام محمد عبده اللذين اصدروا جريدة (العروة الوثقى) دعت إلى العودة إلى مباديء الإسلام الأصيلة ودعا الى تمسك المسلمين بها، وقد أصدر رشيد رضا مجلة (المنارة) التي ذاع صيتها وكانت مصدر إلهام العديد من أبرز النشطاء السياسيين.
ففي بداية القرن العشرين انبثق مزيدا من البرامج السياسية الأكثر سفورا، وقد ذهب بعض المؤرخين إلى نعت الحركة الوليدة (بالإسلاموية)، ويختلف الإسلامويين عن المسلميين التقليديين، إذ يذهب الإسلامويين لتوظيف الدين وفقا لأجندتهم السياسية، إما من خلال الديمقراطية أو من خلال اللجوء إلى العنف.
والإسلاموية تكمن في طياتها رفض المجتمعات الغربية وقيمها التي ينظر إليها على إنها لا تتوافق مع الدين الإسلامي، ويسمى بعض المحللين هذه الظاهرة باسم (الإسلام السياسي).
ومفهوم الإسلام السياسي مفهوما جدليا وخلافيا كونه ينظوي على أن الإسلام منذ بداية نشأته وتطور مسيرته كان ذا صبغة جامعة مانعة لم يتعارض قد والسلطة الدنيوية، إلا أن هذا المصطلح بدا ذو ايحاءات ودلالات سلبية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن.
أما التنظيم السياسي الأكثر نفوذا فهو (حركة الإخوان المسلمين) الذي اسسه حسن البنا عام 1928، وهو مدرس من مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة، وكانت مصر وقتها خاضغة للحكم البريطاني، كانت كتابات البنا هجوما ضاريا على الوجود البريطاني في مصر وكذلك كانت هجوما على الأخلاقيات والفكر المنقلب.
ظهرت عده دعوات ممائلة لذلك لكن ما جعل البنا منفردا؛ هو كونه ناشطا سياسيا يخاطب البسطاء أذ كان خطابه شعبيا، فلم يكن أعضاء الإخوان المسلمين يرنو إلى أن يصبحوا مثقفين على غرار جماعة علماء المسلمين ، بل كان لهم جذور شعبية أكثر من غيرهم من المثقين، فكانوا يرتدون زيا شعبيا عاديا وعباراتهم بسيطة وواضحة.
إلا أن الأهم من ذلك قد تمثل في إرسائهم لمنظمات غربية الطابع كالأحزاب وجماعات الشباب (الطلائع) والجماعات النسوية، والأجنحة شبه العسكرية، لقد أضحى الإخوان المسليمن دولة داخل الدولة ، إذ كان بمقدورهم توفير ما عجزت عنه الدولة، الأمر الذي اتاح لهم قبولا وذيوعا بين الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي.
كذا فقد كانت الإخوان المسلمين لسان حال الفقراء إلا أنهم كانوا ينتقون زعمائهم من طبقة المتعلمين المحبطة جراء افتقار البلاد والعباد.
لفد امتد نفوذ التنظيم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن بلدان جنوب شرق أسيا إلى بلدان الشمال الإفريقي.
أما منهج البنا في استمالة الناس وجذبهم إلى طريقته فتمثل في قيامه بتحديد مشكلة بعينها في مجتمع ما ثم الشروع في إيجاد حلول لها، فالجماعة قد تساعد في بناء مسجد أو مدرسة أو قد تطور من صناعة محلية، الأمر الذي أفضى إلى اقناع الآخرين بأن جماعة الإخوان المسلمين تنظيم يسعى إلى إيجاد حلول لأي مشكلة، وبـأن أفراد الجماعة هم أناس مخلصون أوفياء مكرسون لخدمة المجتمع، أما الأعضاء الجدد فكان يتم اختيارهم مباشرة من المساجد والمقاهي والأسواق.
تجنب البنا الصاق اسم جماعته بأي من الصفات الحزبية، إلا أنه أضحى شديد الانخراط في السياسة، حيث وقف في وجه الملكية التي كانت قد تواطأت مع المحتل البريطاني، وهو الأمر الذي عجل بأول صدع في تاريخ الجماعة تحديدا عام 1938، حيث عمدت جماعة "شباب محمد" بالانشاق عن الجماعة، إذ آمن افراد تلك الجماعة بأن على الاخوان المسلمين أن تكون فقط رفاة خيرية وترفض تسيس الإسلام.
في نفس الوقت كانت جماعة الإخوان المسلمين قد شرعت في مؤازرة عبد الناصر في الانقلاب العسكري الذي اطاح بالملكية في مصر.
هذا وقد قطعت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر أشواطا بعيدة، إلى الحد الذي قبلت معه أموالا من العملاء النازيين، فوفقا لمستندات تحصل عليها البريطانيون في بداية الحرب العالمية الثانية، فقد حصلت الجماعة على مبلغ ألفي جنيه مصري من الصحفي الألماني "فيلهلم شتيلبوغن" مدير وكالة الأنياء الألمانية.
وقد استخدم هذا التمويل النازي في تأسيس التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، وهو نظام شبه تراتبي عسكري .
فلم يكن مفهوم الجماعة الدينية ذات الجناح العسكري غريبا مطلقا عند حسن البنا، إذا اظهرت الجماعة نفسها منذ البداية على أنها تنظيم شعبي يمكنه النزول إلى الشارع وحشد التظاهرات بل والقيام بمناوشات قتالية.
وقد آمن البنا برسالة القرآن التي تذهب أنه لا انفصال بين الدين والدولة، فكان شعار الجماعة: "الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله اسمى امنياتنا".
وبدءا من عام 1926، سعى النشطاء الإسلاميون إلى توحيد صفوف المسليمن تحت راية خلافة بديلة، من خلال إرساء الرابطات وعقد المؤتمرات، ففي عام 1949 كان كل من سعيد رمضان (محام قاهري درس القانون في المانيا) ومعه أمين الحسيني (مفتي القدس)، رأسي الحربة اللذين اسسا لمؤتمر العالم اللإسلامي، حيث ترأس الحسيني الاجتماع وكان في العاصمة الباكستانية "كراتشي"، فيما انتخب رمضان كاحد ثلاثي سكرتارية الاجتماع.
وإن الهدف الأساسي الذي عمد رمضان والحسيني إلى تحقيقه خلال تلك الاجتماعات قد تمثل في محاربة الشيوعية.
فعلى الرغم من أن البلدان الغربية كان ينظر إليها على أنها فاسدة ومتداعية الأخلاق، إلا أن البلدان الشيوعية كانت قد فرضت حظرا شديدا على الدين؛ إذ صادرت كل نشاط ديني وعمدت إلى تقييده؛ مما جعلها أشد خطرا على الإسلام من الدول الغربية، ومن ثم اضحت هدف الاسلامويين الأول، ومن ثم كان هدفهم متوافق مع السياسة الأمريكية.
والجولة الأولى التي جمعت المسؤلين الأمريكين بسعيد رمضان 1952، إذ تلقى البيت الأبيض طلبا عاجلا مفداه قدوم إسلاميين بارزين إلى جامعة برنستون لعقد مؤتمر إسلامي.
وضح أن الولايات الأمريكية قد انتهزت الفرصة لتوظيف الدين على نحو أكثر فاعلية في السياسة الدولية، وافق البيت الأبيض على انعقاد المؤتمر الإسلامي.
وواصل رمضان الظهور في محافل الدبلوماسية الأمريكية، ففي عام 1956 التقى عددا من المسؤلين الأمريكين في العاصمة المغربية مشددا على المطالبة بطرد اليهود من فلسطين، إلا أن توجعات كتلك كانت حائلا دون ارساء تحالف رسمي بينه وبين الولايات المتحدة، لكن رغبة الطرفين المشتركة في مجابهة الشيوعية، أعلن رمضان وزعماء آخرين بمنظمة المؤتمر الإسلامي عهدا على أنفسهم بمحاربة الشيوعية لأنها تخالف الإسلام.
على الرغم من تسليم رمضان بأن هذه الحرب ستكون تجارة بائرة في الشرق الأوسط ، حيث يؤمن ابناؤه بأن الشيوعية حركة معادية للغرب، ذلك الغرب المسؤل عن غرس الكيان الاسرئيلي.
وفي عام 1957 قد انشئ "مجلس تنسيق العلمليات" ، وهو الكيان القائم على تنفيذ العمليات المغطاة لوكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من الوكالات، ذهب المجلس إلى ضوررة تجنب الولايات المتحدة التعامل مع المسلمين التقليدين والتعامل مع جماعات الإصلاح كبديل، من أمثال جماعة "الإخوان المسلمين" .
وقد استشعر المجلس أنه نظرا لانقسام العالم الإسلامي ما بين جماعات رجعية وآخرى تقدمية اصلاحية، فقد يكون من الأجدى التشديد على برامج تعمل على تقوية الجماعات التقدمية.
ثم فجأة اصطدم هؤلاء "بأحمد كمال" وهو كاتب ومغامر وجاسوس، وهو أكثر المتسمين بغرابة الأطوار ممن انخرطوا في ركاب الجهود الأمريكية لتوظيف الإسلام واستغلاله، فكان الرجل كثير التطواف في جهات عديدة، فمن كاليفورنيا إلى تركستان إلى الجزائر، زعم كمال دائما أنه نصير المسلمين المضطهدين إينما كانوا، رغما أنه عادة يعمل لحساب جهة استخباراتية أجنبية.
لم يصل كمال إلى ميونخ وحده، إنما وصلها بأحدث منظمة خيرية تدعي (جماعة الإسلام)، اما الهدف فكان بسط النفوذ على جماعة المسلمين هناك.
في عام 1960 أعلن مسؤلو (جماعة الإسلام) نقل أنشطتهم من النمسا إلى ميونخ، وسرعان ما أمطروا المسؤلين الألمان بوابل من المنشورات والبيانات الشارحة لتأسيس الجماعة، مما سبب حيرة وارتباك لوزارة الشئون الاجتماعية الألمانية، حيث من المستحيل توحيد الجماعات المتنافسة كجماعة الإخوان المسلمين وجماعة فون منده المتصارعتين على بناء مسجد ميونخ.
لم يكن لسعيد رمضان منافسو ذا ثقل يعتد به في صراعه للسيطرة على مشروع بناء المسجد، في 1960 أرسل رمضان إلى لجنة بناء المسجد ليخبر عن نجاح حملته لجمع الأموال اللازمة، وكان رمضان قد قابل العاهل السعودي آنذاك (الملك  سعود بن عبد العزيز) الذي تعهد بمبلغ كبير لبناء المسجد، وكذلك العاهل الأردني (الملك الحسين ابن طلال) وعددا من رجال الأعمال في ليبيا وتركيا، كما أنشأ فروعا للجنة في كل من مكة والمدينة وجدة وبيروت.
إلا أن البعض ظل قلقا من بينهم (سن قصايب) (رائد أحد الفرق مشاة التركستانية) الذي عمد إلى التحذير مرارا من أن ينزلق المشروع ليصبح شديد التسيس، حيث أعلن لأعضاء اللجنة إن الهدف هو بناء مسجد وليس الانخراط في السياسة.
لم يكن سعيد رمضان مرغوبا فيه في العيديد من العالم الإسلامي، مما جعل الاستخبارات الألمانية تسليط الضوء على (غالب همت) الذي كان الساعد الأيمن لرمضان، ليصبح رئيسا لمجلس إدراة المسجد لثلاثة عقود متصلة ليتحول المسجد على يدية إلى مركزا للنشاط الاسلاموي الدولي.
كان الألمان والأمريكان يجمعهم هدفا واحدا وهو، إحكام السيطرة على المسجد وإحكام السيطرة على المسلمين بألمانيا، ومن ثم استخدامهم في مجابهة الشيوعية، في الوقت نفسه لم يكن رمضان فيه معنيا بتوحيد المسلمين لمجابهة الشيوعية على النحو الذي خطط له الأمريكيون، بل كان معنيا بحشد الأفراد حوله التماسا للنفوذ، ذلك النفوذ الذي كان بحاجة إليه؛ لنشر رؤية جماعة (الإخوان المسلمين) عن الإسلام، حيث عمد إلى ازاحة كل من لم يساعدوه في تحقيق ذلك الهدف، فكان معظم مسلمي ميونخ غير ذوي نفع له، إذ كانوا جنودا سابقين طاعنين في السن ذوي دراية دينية محدودة، تنحصر اهتماماتهم في أوطانهم الأم، وكان رمضان يريد كوادر شابة فتيه تتسم بالانطباعية والتلقائية تسهل قولبتهم لاستخدامهم في نشر ثورته على امتداد العالم.
كانت بؤرة اهتمام رمضان هم الاخوان المسلمين، حيث هي الجماعة الوحيدة التي بقيت على خشبة المسرح، فاعضاؤها لم يفقدوا حماسهم ولم تتشتت ارائهم، ومن ثم قد عمد الإخوان المسلمين إلى تحويل مسجد ميونخ إلى قاعدة انطلاق لاختراق العالم الغربي.
وأخيرا تحقق الحلم في 24 اغسطس 1973، إذ انطلق أول صوت آذان لأول صلاة تقام في المركز الإسلامي بميونخ. أو (مسجد ميونخ).
إن مسجد ميومخ قد بلغت نفقات إنشاءه ثلاثة ملايين مارك ألماني (أي ما يعادل 5 ملايين دولار أمريكي بأسعار 2009).
وقد بني على طراز المساجد العثمانية بمئذنة رفيعة مدببة يبلغ ارتفاعها 35 مترا (يطلق المعماريون على هذا النمط من المآذن اسم القلم الرصاص)، مأذنة يعلو قمتها هلال ذهبي، ولها سلم حلزوني يصل إلى قمة المأذنة.
أما المسجد نفسه فكان تكوينا ذا شكل بيضاوي اطلق عليه اسم (البيضة الذرية)، أما الداخل فكان يحوي غرف اجتماعات ومكاتب ومكتبات.
وكان التصميم لمعماري تركي يدعى (عثمان أديب غوريل) ذلك المعماري الذي سعى إلى تصميم بناء جذاب قليل النفقة.
ويبدو أن السعوديين كانوا قد بسطو نفوذهم على رابطة العالم الإسلامي منذ البداية على ما بدا من مراسم حفل افتتاح المسجد، فالمملكة العربية السعودية قد سيطرت على جميع المناصب العليا، وهي التي تكفلت بالتمويل، وكان العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلميم قد توددوا إلى المملكة، فالمملكة هي موضع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فضلا عن ثرائها وقدرتها على تمويل أي مشروع بالغ التكاليف، فالأسرة المالكة هناك (آل سعود) تتبني موقفا من الإسلام يشبه ذلك المتبع من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وقد وجد العديد من أعضاء الجماعة اللذين تعرضوا للاضطهاد في مصر ملجأ لهم في المملكة.
وقد اتسع نشاط الجماعة الإسلامية بجنوب ألمانيا ليشمل مساجد في (نورمبورغ، وأولم)، وفي عام 1975 سعى الاتراك الى الانضمام لعضوية الجماعة، وكان الأتراك قد وفدوا أملا في كسر احتكار العرب لتلك الجماعة، تلا ذلك رفع دعوى أمام المحكمة متهما جماعة الإخوان المسلمين باحتكار السيطرة على مقاليد الأمور في المسجد، بما يشبه قيامها باختطاف المسجد عنوة، الإ أن إدارة المسجد رفضت الالتماس بانضمام الأتراك إلى عضويتها.
تلى ذلك قيام الجماعة بتعديل دستورها للحد من عضويتها، فدستور الجماعة قبل التعديل نص على احقية أي فرد ذي اهتمام بأمر المسجد من الانضام لعضوية الجماعة، إلا أن الدستور قد عدل لخلق فصيلين اثنين: فصيل يضم الأعضاء الاعتياديين، هؤلاء اللذين لهم حق دخول المسجد وتأدية الصلاة به، وفصيل آخر يضم أولئك القائمين على إدارته.
هذا القرار يعني أن الأتراك لهم فقط حق آداء الصلوات والتبرع بالأموال للمسجد دون أن يكون لهم حق التصويت.
وفصيل القائمين على الإدارة رغبوا أن يظل الفصيل صغير الحجم حتى يسهل تسيير شئون الجماعة. وهو العدد نفسه الذي كانت تضمه قبل ذلك بعشر سنين حيث كان اسمها (لجنة بناء مسجد ميونخ)، ورغما عن أنها صارت تضم أعضاء على امتداد الجنوب الألماني إلا أنها قد احتفظت بإدارتها المركزية ذاتها.
من جانب آخر:
كان مقر جماعة الإخوان المسلمين في مصر يبدو كالمعمار القاهري النمطي للطبقة المتوسطة المصرية فيما عدا سيارتي الشرطة المنتظرتين قبالة العقار يرقبان كل من يدخل الشقة وكل من يخرج منها.
ورغما أن جماعة الإخوان المسلمين قد تم حظرها عام 1954، إلا أنه قد سمح لها بممارسة بعض نشاطها كاجتماع اعضائها بل وسمح لها بخوض الانتخابات البرلمانية.
وتقدر في بعض الدول الأجنبية أنه في دولة مثل مصر دمرت المعارضة المنظمة عبر نصف قرن من الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة ، فإن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة الوحيدة المتبقية المنضوية على استقلالية حقة، حيث أن رسالة الجماعة الداعية إلى الإحياء الديني، جعلتها بالغة التأثير يصعب التخلص منها.
وفي داخل المقر تظهر طبيعة الجماعة النافرة وعقيدتها العدائية، فعلقت على الحائط صور لشهداء الإخوان أمثال الشيخ "أحمد ياسين" من حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي اغتالته اسرائيل عام 2004، وكان الشباب يتردد على المقر إما لجلب تقارير أو لإرسال أوامر إلى كافة الخلايا المنبثقة من الجماعة في كافة أنحاء البلاد، أما المرشد العام للإخوان المسلمين حين ذاك كان "مهدي عاكف" تلك الشخصية ذات الابتسامة الماكرة، كانت غرفته تحوي خريطة العالم الإسلامي في كافة انحاء العالم.
حرص عاكف على التعايش السلمي مع السلطات، حيث رغب في أن ينخرط الإخوان المسلمين في خضم اللعبة السياسية، وأن يصيروا جزءا من النظام السياسي المصري، في نفس الوقت مازال راغبا في تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر.
قضي عاكف 23 عاما في السجن منذ عام 1954 حين تم حظر الجماعة حتى عام 1974 حين أصدر السادات عفوا شمل جميع أعضاء الجماعة، ثم من عام 1996 إلى 1999 حين عمد مبارك إلى قمع نشاط الجماعة كما كان يفعل بين الحين والآخر.
وبعد خروج عاكف من السجن سرعان ما تواصل مع أعضاء بارزين من الحركة من أمثال الشيخ "يوسف القرضاوي" وكذلك قد صار له صلات ربطته بمجلة الدعوة التي أعاد السادات إصدارها وقد كانت هذه المجلة رمزا لبداية نزوع جديد أكثر برجماتية لجماعة الإخوان المسلمين، انطوي على اكتساب قبول السلطات عن طريق خفض حده الخطاب الهجومي على الحكومة.
وخلال الفترة مابين 1984و 1967 أقام عاكف في ميونخ إماما للمركز الإسلامي، لم يكن التوقيت هذا مصادفة إذ كانت السنون التي اعقبت مقتل السادات 1981 سنين قاسية على الإخوان وكان المركز الإسلامي في ميونخ ملاذا لعاكف ولعديد من جماعة الإخوان.
وفي تلك الأثناء كانت أهمية المركز الإسلامي قد بدأت في الازدياد ، وفي عام 1982 تغير اسم المركز إلى (التجمع الإسلامي بالمانيا) ليعكس مدى انتشاره على امتداد البلاد حيث كان له افراع في جميع المدن الرئيسية في ألمانيا الغربية.



No comments: