لو لديك رسالة ما تريد توصيلها إلى العالم، أو هواية ما في الكتابة أو التصوير أو الصحافة ومتابعة الأحداث، ففي دقائق معدودة وخطواط سريعة جدا وبدون أي تكلفة، يمكنك أن تنشيء مدونة تكتب بها ما تشاء دون قيود.
هذا بالفعل ما فعله آلاف الشباب في الوطن العربي، واستطاعوا خلال فترة وجيزة جدا أن يكون لهم قوة تأثيرية في المجتمعات السياسية والفنية. من هنا ظهر في الأوساط الصحفية مصطلح الصحافة البديلة أو الصحافة الجديدة، وظهر تساؤل ملح وهو هل يمكن اعتبار المدونات نوعا من الصحافة أو بمعنى أدق إلى أي مدى يمكن اعتبار المدونات صحافة؟
يقول د. شريف درويش (أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة): "في الفترة الأخيرة ظهر مايسمى بالإعلام البديل، تضم هذه المنظومة عديد من الوسائل البديلة منها المدونات والفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي، والصحف الالكترونية وجماعات حقوق الإنسان التي يلجأ لها في الغالب فئات مهمشة تحاول أن تعبر عن نفسها، وهي فئات محرومة اتصاليا، تلجأ لوسائل آخرى بعيدا عن الوسائل التقليدية التي يصعب الوصول إليها ومن هذه الوسائل المدونات.
واعتبر درويش المدونات أحد الوسائل المهمة للتعبير عن هذه الفئات المحرومة اتصاليا، وخاصة من خلا ملاحظة تنامي مستمر في أعداد المدونات في المنطقة العربية وهي المناطق المصنفة عالميا على أنها في ذيل قائمة حرية الصحافة وتحت أنظمة حكم تحرم حرية الرأي والصحافة، ففي إبريل من عام 2008 كان يوجد 160 ألف مدونة، وفي مايو الماضي زاد عدد المدونات إلى 230 ألف مدونة، في حين أن المنطقة العربية وصلت إلى 400 ألف مدونة، وللتخلص من القيود يلجأ الشباب للاتجاه إلى المدونات.
ومعنى أن الشباب يهتمون بالتدوين أنهم يهتمون بلأحداث العامة وهم بالفعل قادرون على التغيير، كما أن مؤخرا ظهرت مدونات سياسية هذا يعني ان الشباب يهتم بالسياسة ويحاول التغيير، هذا يذل على أننا في مرحلة انتقالية من القيود السياسية إلى امكانية التحدث في أي شيء وعن الإصلاح السياسي.
ويتفق معه د. هشام عطية عبد المقصود (أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة): حيث أن الصحافة البديلة ظهرت على مستوى العالم وهي نمط من الصحف تعبر عن فئات لا يملكون قدرات مالية أو مؤسسية ولهم أجندة واهتمامات مختلفة، وظهرت صحافة المجتمع أو الصحافة البديلة كرد فعل لتهميش المواطن العادي غير المعروف والمهمش في العملية الاتصالية فيلجأون إلى الوسائل البديلة والتي منها المدونات ويكونون مركزها ومصدر معلوماتها.
ويعتبر د. هشام المدونات هي التطور الطبيعي لتكنولوجيا الإعلام، وهي أحد الإفرازات التكنولوجية وظهور أنماط اتصالية مختلفة مثل الفيس بوك والمدونات وغيرها، وهذا أيضا يؤكد أن التكنولوجيا ليست معطى سلبي على طول الخط لكن أيضا لها دور إيجابي
ومن جانب آخر المدونات تعتبر أكبر نقلة ديمقراطية في تاريخ البشرية، فقد واجهت الوسائل التقليدية مشاكل كبيرة في كيفية الوصول إلى الناس وكيفية التواصل مع الجمهور، الإنترنت والوسائل الجديدة new media حققت ثورة حقيقية في هذا المجال
هذا يعني أن المدونات مكنت أي فرد لا يملك مؤسسات أو أموال من كل تلك القيود المؤسسية، واستطاع أي إنسان أن يقدم رسالته إلى العالم.
بالتالي إذا وجد شخص أو مجموعة أشخاص لهم هدف مشترك فمن الممكن أن يحققوا ما تحققه مؤسسة إعلامية كاملة، بمعنى أن الإنترنت أمكن لنا أن نراهن مرة آخرى على إبداع البشر كقيمة أساسية.
ويتطرق د. هشام إلى فكرة منافسة المدونات للصحافة التقليدية فهذا يقودنا إلى الجدل الدائر حول إذا ما كان من الممكن أن تختفي الصحافة التقليدية في سبيل نظيرتها الألكترونية، فهذه الفكرة غير صائبة على الإطلاق وغير منطقية، فالصحافة ليست مهنة ورق فقط فليست مهنتي أن أطبع وأوزع الورق، لكن مهنة الصحافة صياغة أفكار ومضامين تقدم عن طريق الورق ويمكن ان تقدم عن طريق أي وسيط آخر سواء كان الشاشة أو الاذاعة أو الانترنت، إذن المشكلة ليست في الورق لكن في العقول والأفكار والمضامين ومن يصنعونها من البشر ويبدعون فيها، أي أن جوهر المهنة موجود بغض النظر عن الوسيلة.
من جانب آخر فإن الإنترنت يعطي مساحة أكبر للتعبير وتفاعل أكبرمع الجمهور، إذن انتقال الصحافة من الوسيط الورقي إلى الوسيط الإلكتروني تطور حتمي ويجب أن يتم بسرعة، لكن المدونات بصورتها الحالية لا تعتمد على أيه معايير مهنية صحفية لكن يسود فيها الجانب الذاتي وتعلو فيها النبرة الأحادية الفكرية دون استناد إلى معلومات موثقة أو خلفيات للأحداث وأيضا عدم وجود رؤية موحدة كل ذلك يثبت أن المدونات تغيب عنها العناصر المهنية للصحافة.
وأوصى د. هشام أن يكون هناك فرصة لحصول هؤلاء (الذين أغلبهم من الشباب) على دورات مهنية في الصحافة، ففكرة العمل الإعلامي ليست بالسهولة التي يعتقدها المدونون الآن،
في حين أن المدونون قادرون على النزول إلى الشارع والوصول إلى المواطن في كل مكان، وهذا يمكنه أن يعوض نقص تشهده الصحافة في مصر بصفة عامة وهو صحافة الأقاليم والمحليات والأقليات لو اهتم به المدونون".
ويقول (دان جيلمور) (مدير مركز وسائل الإعلام الشعبية ومؤلف كتاب "نحن وسائل الإعلام: الصحافة الشعبية من الناس وإلى الناس"): " مقالات الإنترت (المدونات) تمنح القراء فرصة تسجيل تعليقاتهم، كما أن أفضل المدونات تكتب بصوت شخصي وهذا يفرقها عن المقال الصحفي الحرفي الذي يكتب ويراجع من قبل لجنة متخصصة ووفقا لصيغة محددة، وهذه الطريقة الذاتية في الكتابة تمثل دعما حيويا لهذا النوع من وسائل الإعلام الجديدة، كما أن المدونات تمنح وسائل عديدة للنشر بأشكالة المتعددة سمعية وبصرية، بالإضافة إلى تضائل كلفتها المالية جدا، وهذا يشكل نموذجا مثاليا للديمقراطية في الإعلام.
والعلاقة بين صحفيي الإنترنت (المدونين أو البلوجرز) والصحفيين التقليديين جديرة بالملاحظة. فقد سارع بعض الصحفيين التقليديين إلى كتابة مقالات الإنترنت بحماس، بينما لم يعر آخرون هذا النشاط أي أهمية ورفضوه برمته.
ومع ذلك، فإن معظم الصحفيين المحترفين لا ينشرون المدونات الإلكترونية حتى الآن. ويعود ذلك إلى أنها تميل الى تشجيع الصوت الشخصي في الكتابة، وهذا أمراً غير طبيعيا بالنسبة للمهنيين الذين تدربوا على إبقاء أحاسيسهم ومعتقداتهم بعيدة عما يكتبون ويذيعون.
وقد أثبتت المدونات أنها ملائمة بشكل خاص لتغطية الأخبار ومستجداتها اثناء وقوعها، ومثل المدونون مصدرا صحافياً ممتازاً من تلقاء أنفسهم وينافسون به الصحفيين التقليديين في جذب اهتمام القرّاء، وكان من الحتمي أن تفكر شركات وسائل الإعلام المختلفة باجتذاب أفضل مواهب إعلام الإنترنت للعمل لديها.
وعن تجريته الشخصية يحكي جليمور: "قد بدأتُ في العام 1999 ما يُعتقد أنه كان أول مدونة إلكترونية بقلم صحفي يعمل في وسائل الإعلام التقليدية واسعة الانتشار، وأصبح البلوغ الذي أنشأته وصرت أدوّن مقالات فيه جزءاً أساسياً من عملي. لماذا؟ لأنه مكنني من التحادث مع قرائي. وقد أدركت بسرعة، أثناء الكتابة أن قرائي يعرفون أكثر مني بكثير عن الموضوع، وكانت المدونة الإلكترونية وسيلة أخرى للتعلم.".
من جانب آخر ووفقا لمجمع المدونات المصرية (علاء ومنال) يعرف المدونين أنفسهم بأن: "المدونات عبارة عن مساحة شخصية تتيح لصاحب الصفحة النشر بسلاسة شديدة، يكتب المدونون خواطرهم، وأخبارهم، وأرائهم، يغطى كل منهم الأحداث التى شهدتها أو شاركت فيها ويناقش ويرد المدونون على ما نشر فى مواقع أخرى، فى المعتاد يضيف المدون أكثر من مقال فى الأسبوع ولا تحكمه مساحة ولا رقابة ولا محرر، تنسيق وتنظيم المدونة يعتمد فى الأساس على عرض التدوينات (المقالات) بعكس ترتيب نشرها ويصنف المدون تدويناته وفقا لتصنيف من اختياره، لا يحتاج الموضوع سوى ساعة على الأكثر لبدء مدونة والتعرف على أساسيات التعامل معها، وشكلت المدونات المصرية (285 مدونة حتى اليوم وفقا لحلقة المدونين المصريين) مؤخرا مصدرا للتغطيات الصحفية التي نشرتها الصحف عن الحراك السياسي الأخير، حيث نقلت الصحف الكثير من الصور التي التقطها ونشرها أصحاب المدونات على مدوناتهم، كالوعي المصري، وواحدة مصرية. ومنال وعلاء
No comments:
Post a Comment