Friday, December 09, 2005

عبقرية محمد تكمن في بشريته




أن الحروب و المعارك العسكرية لا تتم إلا على ركائز قوية من اعمال المخابرت و الجاسوسية ، و قد عنى الرسول بأمر الإستخبارات عناية فائقة فإذا كانت أحدث مدارس المخابرات في العالم تحدد عدة صفات لمن يقوم بأعمال الإستخبارات أهمها الذكاء و الجرأة و ضبط النفس و التدريب الجيد ، فقد سبق النبي بعبقريته كل هذه المدارس ، فالرسول قد وضع أحكم المباديء لأعمال المخابرت كانت له عيون و أرصاد داخل شبه الجزيرة و خارجها في بلاد فارس و بيزنطة و هناك الأدلة التي تثبت مدى كفاءة استخبارات النبي أهمها أنه لم يرد في تاريخ السيرة أي حادثة انكشاف واحد من رجال المخابرات الذين اختارهم النبي ، و كانت نيات العدو بالعدوان تبلغ الرسول في وقت مبكر يمكنه من اتخاذ اجراءات المواجهة حسبما يقتضي الموقف في نفس الوقت لم يستطع أحد من الأعداء معرفة أسرار المسلمين و خططهم ، و قد أدراك الرسول أن اعمال التجسس لازمة لكل جيش سواء قبل الحرب أو أثناء الحرب .
شاءت إرادة الله أن تكون آخر وصايا النبي قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى عن المخابرات ، فقد أمر الرسول بتجهيز جيش أسامة بن زيد ، بعد أن تجهز الجيش قال له الرسول :" يا أسامة سر على اسم الله و بركته حتى تنتهي إلى مقتل ابيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأسرع السير تسبق الأخبار و خذ معك الأدلاء و قدم العيون أمامك و الطلائع " و بعد أن أصدر أوامره بتجهيز جيش أسامة مرض النبي مرضه الذي قبض فيه .
يقول الباحث ( محمد الشافعي ) في دراسته الموثقة ( التجسس و المخابرات على عصرالرسول ) أن عبقرية محمد تكمن في بشريته و إجتهاداته الدنيوية وتوقد ذهنه و نظرته الموسوعية ، يزداد انبهارنا بعبقرية النبي إذا نظرنا إلى ما قبل بعثته فلم يشارك النبي في أية حروب كما أنه ظل طيلة 13 عاما في مكة بعد البعثة بلا حروب أو قتال لأنه كان يهدف أولا لنشر تكتيكات الدعوة أما بعد الهجرة فقد تطورت أهدافه و كانت هي نشر تكتيكات الدولة لتولد دولة الإسلام و لم تكن تولد هذه الدولة إلا بكثير من الحروب و المعارك الذي يجمع معظم المؤرخين على أن الغزوات في عهد الرسول كانت 27 غزوة بينما كانت السرايا 47 سرية و لم يقاتل الرسول إلا في 9 غزوات ، لكنه في كل الغزوات و السرايا كان القائد المخطط صاحب البصيرة التي لا تخيب فاستطاع النبي أن يبتكر الكثير من فنون الحرب و القتال و أن يبتكر ايضا الكثير من فنون المخابرات و الجاسوسية التي لم تعرف إلا بعد رحيله بعدة قرون في الحربين العالميتين الأوى و الثانية ، و كان منهج النبي عليه السلام في الحرب و السلام و المخابرات يتلخص في عدة نقاط : اولا : الإستعانة بأهل الخبرة حتى لو كانوا من غير المسلمين ، فقد استعان في هجرته من مكة إلى المدينة عبد الله بن آريقظ رغم أنه كان مشركا لكنه كان خبير بالطرق و الأودية فاختاره النبي ، كما قد استعمل في غزواته كلها الخبراء في مسالك الطرق المؤدية إلى أي جهة يريدها ممن اعتادوا زيارتها أو يسكنون فيها ، ثانيا : كان الرسول لا يدخل معركة إلا بعد معرفة كاملة بحالة العدو و معسكراته و مواقفه العسكرية و طبيعة الأرض التي سيتم عليها المعركة و كان يستقي كل تلك المعلومات من خلال بث السرايا و طلائع الإستكشاف لترقب العدو و القضاء على جواسيسه قبل أن يوصلوا الأخبار إلى الأعداء ، ثالثا : كان النبي يجيد استثمار المواقف و قد وضح ذلك أشد الوضوح في كيفية استثمار الرسول لإسلام نعيم بن مسعود أثناء غزوة الخندق من خلال حيلته الذكية لإفشال الأحزاب بإقاع الفتنة بين اليهود و قريش و أعوانهما ، رابعا : كان النبي حريصا على أن لا تتسرب الأخبار إلى العدو و من أهم السبل إلى ذلك الكشف عمن يقوم بأعمال التجسس و تعقبهم و متابعة نشاطهم لإحباط محاولاته للحصول على الأخبار فقد بث عيون و دوريات لتجوب الطرق حول المدينة كما يبث عيون في الداخل لتقضي على أي خبر قد يتسرب إلى قريش ، خامسا : كان حريص جدا على السرية التامة لم يكن يعلن الأخبار إلا ساعة الصفر ( كما يطلق عليها الآن ) فعند الهجرة إلى المدينة لم يخبر أبي بكر بموعد الهجرة إلا في ليلتها و عند فتح مكة لم يكن يخبر حتى عائشة عندما كانت تساعده في ارتداء ملابسه و بعد الإعلام عن الغزوة كان النبي حزر جدا و استخدم الحراسات لمنع تسرب المعلومات ، سادسا : لم يكن النبي يكتفي بما هو متاح فقد استطاع ابتكار وسائل جديدة لم تكن معروفة في عالم المخابرات من قبله فابتكر ما يسمى بالأوامر المختومة و هي رسائل يحملها المكلف بما فيها و لا يفتحها إلا في مكان معين و زمان معين و من ابتكاراته ايضا في عالم الحرب و المخابرات ما يعرف الآن بالشفرة أو الشعار أو كلمة السر فقد كان للجيش الإسلامي نداءات خاصة يصدرها القائد للجند في الحرب لتنوع الحركات في الحرب و الحاجة إلى اخفاء الحركة عن العدو، و قد استفاد النبي من خبرات البلدان الآخرى في الحرب فأخذ فكرة سلمان الفارسي في إقامة خندق حول المدينة فلم يكن للعرب خبرة بالخنادق لكنه كان من مكائد الفرس ، سابعا كان للنبي شبكة عيون مبثوثة في كل مكن بالجزيرة العربية، ثامن منهج اتبعه النبي هو أعرف عدوك ذلك الشعار الذي انتشر في الوطن العربي أواخر الستينات لمعرفة اليهود بعد هزيمة 1967 لكن الرسول طبق هذا الشعار عمليا و مع اليهود ايضا فقد تنبه الرسول إلى لغدر اليهود و خيانتهم و كان يستعمل منهم من يكتب له رسائله فأمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ، تاسعا : لا يقاس نجاح أي من عمليات المخابرات في العالم بكم المعلومات التي حصلوا عليها لكن يتوقف ذلك في القدرة على تحليل هذه المعلومات و الإستفادة منها و قد كان الرسول سباقا إلى ذلك يتضح ذلك جليا من خلال أحداث غزوة بدر فعندما ارسل النبي كلا من بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعد و عدي بن الزغباء الجهني حليف بني النجار ليسطلعا الأخبار سمعا حوار الفتاتين على ماء بدر و نقلاه إلى النبي فعلم منه موعد وصول قريش ، و عندما استجوب الرسول الغلام الذي جيء به من جيش قريش علم منه عدد مقاتلي قريش ذلك من خلال معرفته عدد الذبائح التي يذبحونها كل يوم ، عاشرا: اختيار من فيه الكفايه لجمع المعلومات فقد كان النبي حريص على أن يختار رجال مخابراته من ذوي المواهب الخاصة ممكن يتحقق فيهم القدرة على التعامل مع أصعب المواقف مثلما حدث مع علي بن أبي طالب ليلة الهجرة و خذيفة بن اليمان الذي تسلل في صفوف العدو ليجمع الأخبار في غزوة الخندق ، و إذا كانت الدول الآن تعامل رجل المخابرات معاملة خاصة من خلال المزايا التي يمنحونها لهم ، فقد تعامل النبي مع رجل المخابرات على أنه مقاتل كامل له كل حقوق المقاتل و عن أبي هريرة قال :" أن الرسول بعث 20 عينا في بدر يتجسسون له و كان لهم من الغنائم ما للمقاتلين دون أن يحضروا القتال " .
و مع أهمية الجاسوس في الحروب فيكون من عوامل النصر أو الهزيمة ، كما كافئ الرسول الجاسوس الذي يتجسس لصالح المسلمين ، فقد فرض عقاب ديني على الجاسوس الذي يعمل لصالح العدو ، قد لخص ( ابن حجر الهيثمي أراء فقهاء المسلمين في التجسس لصالح العدو قال إن يخضع لكل فعل يترتب عليه وهن للإسلام أو لأهله أو قتل أو سلب أو نهب كان ذلك من أعظم الكبائر و أقبحها لأنه سعى في الأرض فسادا مما يتعين قتل فاعله .



No comments: