Monday, April 13, 2009

أحمد حلمي سجين الحرية والصحافة


(أحمد حلمي) اسم على كل لسان، لا يوجد أحد من أهل القاهرة أو حتى زائرا لها لا ينطق اسمه مرارا، فهو الاسم الذي يطلق على أهم شارع وميدان في مصر، في قلب القاهرة، كملتقى لكافة مواصلات الوجه القبلي والبحري.

لطالما راودني وراد كثيرون غيري تساؤل من هو (أحمد حلمي)؟ حتى علمت أن (أحمد حلمي) كان صحفيا، كان الرجل الثاني بعد (مصطفى كامل) في جريدة اللواء، قبل أن يصدر جريدته (القطر المصر) التي تطرفت في عدائها للخديوي عباس حلمي وللأسرة الخديوية برمتها؛ مما أدى إلى تقديم (أحمد حلمي) للمحاكمة بتهمة العيب في الذات الملكية، ثم عصفت دار المعتمد البريطاني بالجريدة كلها في عام 1910 م.

ولد (أحمد حلمي) 1875 في حي خان الخليلي، تلقى تعليمه في خان جعفر بالحي الحسيني حيث تعلم القرآة والكتابة وحفظ القرآن، ثم عمل ككاتب في أحد الدواوين الحكومية.

كان لـ(أحمد حلمي) ميلا للكتابة شديد فكتب الشعر، ولما صدرت جريدة (السلام) (يومية سياسية تجارية) بمدينة الأسكندرية يوم 5 مايو 1898 لصاحبها (غالب محمد طليمات) كان (أحمد حلمي) يراسل مكتبها في القاهرة وينقل إليها أخبار القصر الخديوي وأنباء الوزارات والمصالح.

ولما صدرت جريدة (اللواء) عام 1900 في الثاني من يناير، سارع (أحمد حلمي) في الكتابة فيها ككاتب غير متفرغ ثم ككاتب متفرغ.

خلال الفترة من 1900 إلى 1908 قدم (أحمد حلمي) عديد من الموضوعات الوطنية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان (أحمد حلمي) هو الصحفي الذي تابع تفاصيل حادثة دنشواي 13 يونية 1906، التي كانت من أهم حوادث مصر التاريخية، فكان لكتاباته أكبر الأثر في التهاب المشاعر الوطنية وفي كشف النقاب عن الصورة الحقيقية للاحتلال الإنجليزي، قد سافر (أحمد حلمي) إلى دنشواي لموافاة اللواء بالتفاصيل الكاملة، وهو صاحب التحقيقي الصحفي المشهور (يادافع البلاء) عن حادثة دنشواي، والذي قال عنه عباس محمود العقاد: "لا تعرف فزعا شمل القطر المصري من أقصاه إلى أقصاه كالفزع الذي شمله يوم قرأ الناس أخبار هذه الفاجعة ونشرتها اللواء بعنوان (يادافع البلاء).

وكان (أحمد حلمي) في اللواء أول من نادى بإنشاء أول وزارة زراعة مصرية، ودعا إلى الوحدة الوطنية بين شعوب وادي النيل في مواجهة الاحتلال الانجليزي، وطالب الجيش المصري بالانضمام إلى المدنين في المطالبة بالدستور والحرية، كما كتب من وقائع التقارير الرسمية غرض الحكومة في التعليم القطري المصري هو تضييق دائرة الارتقاء العلمي على أولاد الفقراء تضييقا تاما وحصر تلقي التعليم العالي على أولاد الاغنياء، وأن الغرض من التعليم هو الحصول على الموظفين الذين تأمرهم فياتمرون وتزجرهم فيزدجرون، (كما ذكر في مقالة في اللواء بتاريخ 19 يوليو 1904 العدد 1465)

وقد كتب (أحمد حلمي) المقالات الافتتاحية لجريدة اللواء في كثير من الاحيان مثلا افتتاحية العدد 2387 بتاريخ 23 يوليو 1907.

واعتبر (إبراهيم عبده أستاذ الصحافة) في كتابة (أعلام الصحافة) (أحمد حلمي) محرر اللواء الأول بلا منازع.

وبعد وفاة (مصطفى كامل) في فبراير 1908 وتولى (على فهمي كامل تحريرها)، استقال (أحمد حلمي) من اللواء محتجا على سياسة الجريدة بعد وفاة صاحبها وابتعادها عن مباديء الحزب الوطني الذي آمن به.

وبعد استقالة (أحمد حلمي) من اللواء أصدر جريدته (القطر المصر) وهي مجلة (سياسية وطنية أدبية زراعية صناعية) كما وصفها، تصدر صباح الجمعة من كل أسبوع، التزمت المجلة بمباديء الحزب الوطني.

وبرغم التهديدات والصعوبات التي واجهت (القطر المصري) فلقد تم توزيع العدد الأول كله في نفس يوم صدوره فاضطر (أحمد حلمي) إلى اعادة طبعه ثانيا.

وفي مقاله المنشور في العدد الثاني من (القطر المصري) خصصه (أحمد حلمي) لشكر محمود أفندي سلامة الذي خصص مطبعته وكل عماله لإنجاز هذا العمل فصدر العدد الثاني وقبله العدد الاول وكذات المساعدات الادبية التني قدمتها جرائد الاهرام والمؤيد والدستور و(الجريدة) ويعتبر أن ذلك مكافأة له على سبع سنوات من ايام الشباب في مساعدة فقيد الشرق والوطن مصطفي كامل.

وبعد ستة شهور من إصدار (القطر المصري على شكل مجلة تبدا اعتبارا من 16 اكتوبر 1908 في الصدرو على شكل جريدة كما يقول (أحمد حلمي): "بناءا على رغبة القراء". ربما لرخص ثمن الجريدة عن المجلة.

كان (أحمد حلمي) في القطر المصري يهاجم الخديوي والنظام الملكي حتى رمته النيابة بأكبر تهمة لم تنظر مثلها المحاكم المصرية قاطبة من عهد افتتاحها في 1883. وهي (العيب في الذات الملكية)

ويقول مؤرخ الصحافة العربية (فيليب دي طرازي): أن هذه الجريدة التي كانت خطتها المناداة بالعداء للاحتلال الانجليزي وانتقاد سياسة مصر، لم يبق عظيم الا قرأها وعرفها، حتى أن الخديوي عباس نفسه كان يقرأها خلافا لعادته ولا يطالع سواها من الصحف، وحتى ضباط الجيش، حتى أن حكومة السوادان لما قررت منع دخولها إلى البلاد كان الضباط يخفونها في طيات ملابسهم وكان يقرأها أيضا العمال، واستاءت غرفة التجارة والصحف الانجليزية منها لانها كانت تدعو لمقاطعة البضائع الانجليزية، لان رواج هذه البضائع في مصر وترويجها على الدوام هو عله الاحتلال الانجليزي في وادي النيل".

ولما رفع (أحمد حلمي) الستار عن عيوب النظام الخديوي وخاصة بيع الأوسمة والرتب للأعيان قامت عليه القيامة وكيل له الاعداء فمثلوه للخديوي كعدو يعمل على دعوة الأمة المصرية للخروج عليه وانتزاع الملك من أسرته.

وتتوالى الأحكام القضائية على (أحمد حلمي) وعلى جريدته، وفقا لما يرويه (إبراهيم عبده) في كتابة (تطور الصحافة العربية) أنه تزعم إحدى المظاهرات والتي قدر عدد حاضريها 25 ألفا من المصريين يوم 31 مارس 1909 ضد اعادة العمل بقانونا المطبوعات الصادر سنة 1881 في عهد وزارة رياض باشا، فيصدر عليه الحكم بالحبس 4 شهور مع كفالة قدرها 10 جنيهات،

ثم يصدر الحكم الابتدائي بحبسة ستة أشهر وتعطيل القطر المصري واعدام كل ما يضبط من العدد 37 منها، ثم جاء جاء حكم محكمة الاستئناف تؤيد الحكم الابتدائي وتجعل الحبس سنة مع الشغل، لتطاوله في جريدته على مقام الحضرة الفخيمية الخديوية، في قضية يعتبر فيها أول مصري يحكم عليه بتهمة العيب في الذات الملكية (الخديوية).

وبعد مضي 6 أشهر عادت (القطر المصري) للصدور فيما كان (أحمد حلمي) مازال في السجن، وقد اختار لها مديرا وهو (جبريل اسكوردينو) ليحمي جريدته بالامتيازات الاجنبية وحتى لا تخضع لقانون المطبوعات، لكن لم يلبث جبريل اسكوردينو عددا واحدا حتى تم تغييره بمدير فرنسي وهو (راءول مارشان).

وقد رأت دار المعتمد الانجليزي في مصر وفقا لوثائق وزارة خارجيتها أن تعصف بالجريدة نهائيا في عام 1910 بحجة تعرضها للجانب العالي ودرجها مقالات مغايرة للاداب في حق الاحتلال الانجليزي.

وبعد خروج (أحمد حلمي) من السجن وفي عام 1911 أصدر الطبعة الأولى من الجزئين الأول والثاني من كتابه (السجون المصرية في عهد الاحتلال الإنجليزي)، على صدر الكتاب عبارة "سجن الجسم خير من سجن الضمير..". ورغم أن (أحمد حلمي) يقرر أن مؤلفه هذا في ثلاثة أجزاء الا انه لم يعثر في الكتب والوثائق القومية الا على جزئين فقط في مجلد واحد كما أن كثير من الصفحات منزوعة، يرجع د/ إبراهيم عبد الله المسلمي قطع الصفحات إلى الرقابة وقتذاك.

وفي 4 يوليو 1914 أصدر (أحمد حلمي) صحيفة (المشرق) وصفها بأنها أدبية تاريخية، تضمنت الجريدة عدد من الابواب والفصول منها باب (الأدب قديما وحديثا)، صدرت في 8 صفحات من الحجم النصفي (تابلويد) بالصفحة 3 أعمدة كان ثمن النسخة 8 مليمات

يقول د/ إبراهيم عبد الله المسلمي (في كتابه (أحمد حلمي) سجين الحرية والصحافة، الصادر ضمن سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة العامة للكتاب): "المرء يستعجب من سجين الحرية الذي نادى بمصر للمصريين، وتحمل ما لا يتحمله بشر في السجن مقابل حرية الوطن وكرامته، فلم يجد في تلك الصحيفة ما يشفي غليله، وكانت البلاد على مقربة من اعلان الاحكام العرفية عليها وذلك أن بوادر الحرب العالمية الاولى كانت على الابواب بالفعل، وهذه الصحيفة بكاملها لا تساوي في الحياة الصحفية صفحة واحدة من صفحات الجريدة الوطنية الأبية القطر المصري، حتى أن (أحمد حلمي) الذي دخل السجن بتهمة العيب في الذات الملكية الخديوية ينشر في صدر العدد الخامس من المشرق صورة الخديوي عباس حلمي الثاني بعنوان (سلمت لتحيا مصر فيك وتسلما) وهي تهنئة للملك بنجاته من الاغتيال على يد مجنون.

وارجع المسلمي ذلك إلى شهور السجن واعادة بعث قانون المطبوعات الذي كان سيفا مسلطا على الكلمة الحرة، والسؤال المطروح هل ذلك كان بداية تخلي حلمي عن مبادئة أو تخليه عن العمل الصحفي كليا، خاصة أن صحيفته (المشرق) ما لبثت أن توقفت في اغسطس 1914.

وفي 25 أغسطس من عام 1919 اصدر صحيفة جديدة اسماها (الزراعة) وصفها بجريدة زراعية اقتصادية،

وأخيرا وكما يصفة د/ إبراهيم المسلمي، رأى (أحمد حلمي) أنه لم يستفد شيئا من الاعتقال أو النفي فآثر العمل في الزراعة واستأجر مزرعة كبيرة تبلغ زهاء ألف فدان بكفر دملاش مركز شبين محافظة الغربية وأشرف على زراعة هذه الأرض ونظم طرق الري والصرف بها.

وكسب من الزراعة مالا جما واقتنى املاكا لا بأس بها وكان ينفق كثيرا على تعليم اولاده وظل موفقا في حياته الزراعية إلى أن وضعت الحرب اوزارها فظل بعدها يستأجر الأراضي الواسعة في دائرة شريف والمنشاوي، فاستاجر مرة مزرعة لشريف باشا بالقرب من منية السيرج بضواحي مصر، وسكن بمنزل حماه بالقرب من أرضه ويمر بالشارع الذي أصبح يحمل اسمه في شبرا كما استأجر أرض آخرى بالقرب من طنطا، لكن الازمة الاقتصادية التي حلت بالبلاد بعد الحرب العالمية الاولى اصابته أيضا فخسر الكثير مما جمعه وخرج من الميدان ببضعة الوف من الجنيهات اشترى بها عمارة كبيرة في شبرا، التي سكن بها حتى وافته المنية في 18 يناير 1936.

وهنا يتضح لماذا أطلق اسم (أحمد حلمي) على تلك الميدان الشهير في القاهرة، لأن كان له أملاك في تلك المنطقة، وليس لتاريخة العظيم وكفاحة الصحفي أو كفاحه ضد الاحتلال والملكية.



No comments: