Thursday, March 12, 2009

عن أقصوصتي ...ليلة وألف

عندما نشرت أقصوصتي القصيرة جدا في موقع القصة العربية ، جاء لي تعليق عبارة عن مقال نقدي للأستاذ الكاتب السوري محمد باقي محمد
وها هو المقال نصه كالأتي
::::::::::::::::::::::::::
في نصّها الموسوم بـ " ليلة وألف" تنشغل " راندا رأفت" باللعب على اللغة، ومن ثمّ باستحضار التراث الحكائيّ العربي القديم، مُمثلاً بدرته " ألف ليلة وليلة"، لكي تستلهمه، وتنتج نصّاً مُفارقاً بدلالته، فالعنوان يُحيلنا إلى المرجعيّة التي أتينا عليها، ولكنّها تفكّكه، ثمّ تعيد بناءه وفق طريقتها، ما يدفعنا للتساؤل عن الجديد اللاطي خلفه، من خلال تلك المسافة بين القديم والجديد تتسلل " رأفت " إلى لا وعينا عبر أسئلة متوالدة، ما يشي بنجاحها في تخيّر عنوان يقوم بالإيحاء والحضّ، ليدفع القارىء إلى قراءة المتن!
وفي متنها تلعب القاصّة على الحدث، فتستعير من القديم زمانه " الليل"، لتخرج شخصيتها المحوريّة في زيّها الفولكلوري، ربّما في إشارة إلى الصورة التقليديّة التي لا نسمح للمرأة بالخروج عنها، وكالندّاهة تصغي إلى النداء الموجّه إليها، من غير أن تستطيع التمرّد عليه، ومع ذلك فهي تُحيلنا إلى ثباتها في مكانها للعب على دلالات الرفض والقبول، وفي الليلة العاشرة في إحالة صريحة إلى " ألف ليلة وليلة " أخفق تمرّدها في الرجوع، فهل تُحيل الرجوع هذه إلى الرجوع عن، أم إلى الرجوع إلى!؟ لقد أقبلت لتدخل عالم " ألف ليلة وليلة"، ولكن لتخرج منها في الخواتيم وحيدة، فما الذي حلّ بصنو الروح!؟
التقاط ذكي للحظة المُفارقة، مُتمثلة في واقع الفوات الذي تعيشه المرأة تحت ظل منظومة ذكورية تشل القدرات، وإحالة إلى القديم في ما يُشبه التعبير عن الاستمرارية، أي إلى التراث في وجهه الأكثر تخلفاً على شكل موروث يمدّ أصابعه نحو الراهن!
ينتمي نصّ " رأفت" إلى الـ : ق ق ج ، وهي جنس لم يستو بعد إنْ على مُستوى المُمارسة، أو على مستوى التقعيد، ولكنّها تفترض في الحدّ الأدنى حدثاً مركزياً يفرقها عن قصيدة النثر من جهة، وعن الخاطرة من جهة أخرى، فهل ما جاء عليه المتن يسمح بمقاربته على أنّه حدث!؟ وهل يكفي ترسّم الجملة الحكائيّة المُؤسّسة لديباجة الليالي" ولمّا كانت الليلة العاشرة" أو " ولمّا كانت الليلة الألف" للإيهام بحدث مركزي!؟
لقد اعتمدت " رأفت" ضمير المُخاطب، في خطاب مُوجّه أساساً إلى الذات، في محاولة للوقوف بباب الحديث من أساليب القصّ، ولأنّ النصّ الأصلي يُحيل إلى عالم غرائبيّ يختلط فيه الواقعيّ باللاواقعي، عمدت إلى تبنّي خطابه لتُحيلنا إلى اللامعقول في حياتنا، ولهذا ربّما نسخت عنه التحديد الزمني.. الرقمي مثلاً، فهل كانت تريد أن تكسبه عناصر من الأسطرة في هذا النسخ!؟
أما لغة رأفت، فهي تحيل إلى المُجنّح ذي الأفياء والظلال والتوريات، ليس هذا فحسب بل أنّها تُدرج الكلام في سياق يُتاخم الشعريّ " ناديتني أن أقبلي... فأبيت تمرّداً على خيال أتمنّاه"، لتكتسب غنائية رمزية ضافية، ما يُذكّرنا بتيّار كامل في القصّ السوريّ، رفع لواءه الناقد " وفيق خنسة " مُطالباً بالقصة القصيدة، تيار وسم مُعظم النثر القصصيّ السوريّ من سعيد حورانيّة إلى سهيل الشعار، ووجد له صوى ومُرتسمات في القصّ العربي من محمد زفزاف في المغرب وإلى محمد اليحيائي في عُمان، والـ : ق ق ج تستدعي لغة من هذا القبيل!
على ألاّ ننسى تياراً آخر رأى في الشاعرية مقتل القصة القصيرة، وراده تنظيراً الناقد الدكتور " فؤاد مرعي"، ووجد هو الآخر امتداداً بالتوازي معه خارج الحدود، فاجترح الناقد اللبناني المعروف " إلياس الخوري" مجموعته القصصية " رائحة الصابون "، فيما نشر الروائي المصريّ المعروف " صنع الله إبراهيم" روايته " بيروت بيروت" بلغة دالة تقارب لغة العلم، بعيداً عن الهدم وإعادة البناء، أو عن الانزياح ومن ثمّ التوليد أو النحت أو الاشتقاق
وتتطلب الـ : ق ق ج تكثيفاً وتبئيراً كبيرين، أي أن تقول أكبر كميّة من المعاني بأقل ما يُمكن من عبارات، وفي وهمنا أنّ قراءة مُتأنيّة في المتن ستذهب إلى توفر تكثيف كبير فيه!
وفي الخواتيم تأتي " رأفت " على المُفارق، ذلك أنّ الشخصيّة المحوريّة غادرت في الليلة الألف وحيدة، ما يُحيلنا إلى المدهش والصادم، أي ما يضعنا على أعتاب لحظة كشف وتنوير، ما اقتضى التنويه!
::::::::::::::::::::
وأتوجه للشكر للأستاذ محمد باقي على وقته ومجهوده الذي أفادني جدا

No comments: